top of page

فيلم

أريد حلا

عندما غيّرت السينما قانون الأحوال الشخصية في مصر.

لطالما كانت السينما مرآة للمجتمع، تعكس همومه وقضاياه، وأحيانًا تكون قوة دافعة للتغيير. من أبرز الأمثلة على ذلك فيلم "أريد حلاً"، الذي لم يكن مجرد عمل درامي، بل أصبح رمزًا للنضال من أجل حقوق المرأة في مصر. هذا الفيلم لم يكتفِ بتسليط الضوء على معاناة السيدات مع قوانين الأحوال الشخصية القديمة، بل ساهم بشكل مباشر في تعديل هذه القوانين، ليترك أثرًا حقيقيًا تجاوز حدود الشاشة.

 معاناة امرأة مع القانون

تدور أحداث الفيلم حول درية، المرأة التي تعيش زواجًا تعيسًا مع زوجها مدحت، وهو دبلوماسي يعاملها بجفاء ويرفض منحها الطلاق. تحاول درية اللجوء إلى المحكمة لإنهاء هذا الزواج الذي أصبح عبئًا نفسيًا عليها، لكنها تصطدم بعقبات قانونية تجعل الطلاق في يد الزوج فقط، حتى لو كان زواجًا غير ناجح. على مدار الأحداث، نشاهد كيف تفقد البطلة سنوات من عمرها وهي تحاول البحث عن حل قانوني، في ظل قوانين لم تكن تعطي المرأة أي حق في طلب الطلاق بسهولة.

الفيلم يستند إلى قصص واقعية تعكس معاناة الكثير من النساء في ذلك الوقت، حيث كان القانون المصري لا يسمح للمرأة بالطلاق إلا بموافقة الزوج أو بإثبات الضرر الشديد، وهو أمر كان يتطلب سنوات طويلة في المحاكم.

التأثير القانوني للفيلم:

حقق "أريد حلاً" صدى واسعًا فور عرضه، حيث لمس مشاعر الجمهور وجعل العديد من النساء يعبّرن عن معاناتهن بشكل علني. كما أثار الفيلم نقاشًا مجتمعيًا حادًا، ووصل تأثيره إلى صناع القرار، مما دفع الحكومة المصرية إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية في عام 1979، وهو ما عُرف وقتها باسم قانون جيهان السادات، نسبة إلى جهود السيدة الأولى آنذاك في دعم حقوق المرأة.

بفضل هذه التعديلات، أصبح للمرأة حق الخلع، وهو ما يعني أنها تستطيع إنهاء زواجها دون الحاجة إلى موافقة الزوج، بشرط التنازل عن حقوقها المالية. كما تم وضع قيود على استخدام حق الطاعة، مما حدّ من استغلال بعض الأزواج لهذا القانون لإجبار زوجاتهم على البقاء في زيجات غير سعيدة.

دور السينما في إحداث التغيير

يُعتبر "أريد حلاً" من أهم الأفلام التي أثبتت أن السينما ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل يمكنها أن تكون أداة قوية للتغيير الاجتماعي والتأثير على القوانين. نجح الفيلم في تحويل قضية الطلاق إلى قضية رأي عام، مما جعل الحكومة تدرك ضرورة تحديث القوانين لضمان حقوق المرأة.

لم يكن تأثير الفيلم مقتصرًا على مصر فقط، بل ألهم العديد من الدول العربية لمراجعة قوانينها الخاصة بالأحوال الشخصية، حيث بدأت بعض الدول في النظر إلى فكرة منح المرأة حقوقًا أوسع في الطلاق، متأثرةً بالنقاش الذي أثاره الفيلم.

رغم مرور عقود على عرض "أريد حلاً"، إلا أن قضاياه لا تزال مطروحة حتى اليوم. فلا تزال هناك تحديات قانونية تواجه المرأة في قضايا الطلاق، مثل النفقة وحضانة الأطفال، كما أن بعض النساء يواجهن صعوبات في الحصول على حقوقهن بسبب تعقيدات الإجراءات القانونية. لذلك، يظل الفيلم بمثابة تذكير دائم بأن القوانين يجب أن تتطور مع احتياجات المجتمع، وأن الفن يمكن أن يكون صوتًا للمظلومين.

ختاما، فيلم "أريد حلاً" ليس مجرد قصة سينمائية، بل هو شهادة على قوة السينما في تغيير الواقع. فقد نجح في تسليط الضوء على قضية كانت تُعتبر مسكوتًا عنها، وأجبر المجتمع على مواجهتها، مما أدى إلى تعديل القوانين لصالح المرأة. هذا الفيلم يثبت أن الفن يمكن أن يكون أداة لإحداث تغيير حقيقي، وليس مجرد وسيلة ترفيهية، وهو ما يجعل "أريد حلاً" واحدًا من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية.

bottom of page